کد مطلب:195860 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:309

حدیث الأهلیلجة
البحار ج 2 ص 75 ط طهران.

إن هذا الحدیث الجلیل والكتاب الشریف الذی كتبه الامام الصادق «ع» إلی تلمیذه المفضل بن عمر الجعفی فی إثبات التوحید، لحدیث طویل لا یسعه هذا المختصر، ولكنا قد إقتطفنا منه جزءاً یسیراً مما هو محل شاهدنا للاستدلال علی كامل معرفته «ع» بالعقاقیر ومنافعها وأضرارها وأنواعها ومنابتها وطرق إستعمالها بما لم یعرفها أطباء عصره ولم یدركها ذوو الفن من المشتغلین بها علی أنه علیه السلام كان قد ذكرها طی كلامه عن التوحید ولم یقصد بیانها مفصلاً وهذا مما یوضح لكل منصف عارف مالدی الإمام من العلم الكامل بهذا الفن علماً أخذه عن أجداده عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم بالوراثة لا عن تعلیم معلم أو تدریس أستاذ وإلیك ما إقتطفناه منه.

كتب المفضل بن عمر الجعفی إلی أبی عبدالله جعفر بن محمد الصادق «ع» یعلمه أن أقواماً ظهروا من أهل هذه الملة یجحدون بالربوبیة ویجادلون علی ذلك ویسأله أن یرد علی قولهم لیحتج علیهم بما إدعوا به.

فكتب أبوعبدالله «ع» إلیه:

بسم الله الرحمن الرحیم. أما بعد وفقنا الله وإیاك لطاعته وأوجب لنا بذلك رضوانه ورحمته. وصل كتابك تذكر فیه ما ظهر فی ملتنا وذلك من قوم أهل



[ صفحه 39]



الالحاد بالربوبیة قد كثرت عدتهم واشتدت خصومتهم، وتسأل أن أصنع الرد علیهم والنقض لما فی أیدیهم كتاباً علی نحو ما رددت علی غیرهم من أهل البدع والاختلاف ونحن نحمد الله علی النعم السابغة والحجج البالغة والبلاء المحمود عند الخاصة والعامة (إلی أن یقول علیه السلام) ولعمری ما أتی الجهال من قبل ربهم وأنهم لیرون الدلالات الواضحات والعلامات البینات فی خلقهم وما یعاینون فی ملكوت السماوات والأرض والصنع العجیب المتقن الدال علی الصانع، ولكنهم قوم فتحوا علی أنفسهم أبواب المعاصی وسهلوا لها سبیل الشهوات، فغلبت الأهواء علی قلوبهم واستحوذ الشیطان بظلمهم علیهم، وكذلك یطبع الله علی قلوب المفسدین.

وقد وافانی كتابك ورسمت لك كتاباً كنت نازعت فیه بعض أهل الأدیان من أهل الأنكار وذلك أنه:

كان یحضرنی طبیب من بلاد الهند وكان لا یزال ینازعنی فی رأیه ویجادلنی عن ضلالته فبینما هو یوماً یدق اهلیلجه لیخلطها بدواء إحتاج إلیه من أدویته إذ عرض له شیء من كلامه الذی لم یزل ینازعنی فیه من إدعائه أن الدنیا لم تزل ولاتزال شجرة تنبت وأخری تسقط ونفس تولد وأخری تتلف، وزعم أن إنتحال المعرفة لله تعالی دعوی لا بینة لی علیها ولا حجة لی فیها، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول والأصغر عن الأكبر، وأن الأشیاء المختلفة والمؤتلفة والظاهرة والباطنة إنما تعرف بالحواس الخمس. فاخبرنی بم تحتج فی معرفة ربك الذی تصف قدرته وربوبیته وإنما یعرف القلب الأشیاء كلها بالآلات الخمس

إلی آخر ما یسوقه من إعتراض الطبیب وجواب الإمام «ع» من البراهین العقلیة والدلائل الحسیة التی أفحمته حتی جعلته یقر بالربوبیة والوحدانیة لله تعالی و قد أعرضنا عنها كلها عدا ما هو الشاهد لنا علی إثبات ما للامام «ع» من معرفة خواص الأدویة ومنافع العقاقیر ومضارها فی عصر لم یدركها فیه غیره حتی الاخصائیین منهم بمعرفتها. وإلیك محل الشاهد من الحدیث:



[ صفحه 40]



قال الامام الصادق «ع» لذلك الطبیب:

فاعطنی موثقاً إذا أنا أعطیتك من قبل هذه الاهلیلجة التی بیدك وما تدعی من الطب الذی هو صناعتك وصناعة آبائك وأجدادك وما یشابهها من الأدویة لتذعنن للحق ولتنصفن من نفسك. قال: ذلك لك، قلت: هل كان الناس علی حال وهم لا یعرفون الطب ومنافعه من هذه الاهلیلجة وأشباهها. قال: نعم، قلت: فمن أین اهتدوا؟ قال بالتجربة والمقایسة، قلت: فكیف خطر علی أوهامهم حتی هموا بتجربته، وكیف ظنوا أنه مصلحة للاجسام وهم لایرون فیه إلا المضرة، وكیف عرفوا فعزموا علی طلب مایعرفون مما لاتدلهم علیه الحواس؟ قال: بالتجربة، قلت: إخبرنی عن واضع هذا الطب وواصف هذه العقاقیر المتفرقة بین المشرق والمغرب هل كان بدمن أن یكون الذی وضع ذلك ودل علی هذه العقاقیر رجل حكیم من أهل هذه البلدان؟ قال لابد أن یكون كذلك وأن یكون رجلاً حكیماً وضع ذلك وجمع علیه الحكماء فنظروا فی ذلك وفكروا فیه بعقولهم. قلت: كأنك ترید الانصاف من نفسك والوفاء بما أعطیت من میثاقك فاعلمنی كیف عرف الحكیم ذلك؟ وهبه عرف ما فی بلاده من الدواء كالزعفران الذی بأرض فارس مثلاً. أتراه إتبع جمیع نبات الأرض فذاقه شجرة شجرة حتی ظهر علی جمیع ذلك، وهل یدلك عقلك علی ان رجالا حكماء قدروا علی ان یتبعوا جمیع بلاد فارس ونباتها شجرة شجرة حتی عرفوا ذلك بحواسهم وظهروا علی تلك الشجرة التی یكون فیها خلط بعض هذه الأدویة التی لم تدرك حواسهم شیئاً منها، وهبه أصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها وتتبعه جمیع بلاد فارس ونباتها فكیف عرف أنه لا یكون دواء حتی یضم إلیه الاهلیلج من الهند والمصطكی من الروم والمسك من تبت والدارصین من الصین وخصی بید ستر من التراك والافیون من مصر والصبر من الیمن والبورق من أرمینیة وغیر ذلك من أخلاط الأدویة وهی عقاقیر مختلفة تكون المنفعة باجتماعها ولا تكون منفعتها فی الحالات بغیر إجتماع. أم كیف اهتدی لمنابت هذه



[ صفحه 41]



الادویة وهی ألوان مختلفة وعقاقیر متباینة فی بلدان متفرقة، فمنها عروق ومنها لحاء ومنها ورق ومنها ثمر ومنها عصیر ومنها مایع ومنها صمغ ومنها دهن ومنها ما یعصر ویطبخ ومنها ما یعصر ولا یطبخ مما سمی بلغات شتی لا یصلح بعضها إلا ببعض، ولا یصیر دواء إلا باجتماعها ومنها مرائر السباع والدواب البریة والبحریة، وأهل هذه البلدان مع ذلك متعادون مختلفون متفرقون باللغات متغالبون بالمناصبة ومتحاربون بالقتل والسبی أفتری من ذلك الحكیم نتبع هذه البلدان حتی عرف كل لغة وطاف كل وجه وتتبع هذه العقاقیر مشرقاً ومغرباً آمناً صحیحاً لایخاف ولا یمرض سلیماً لا یعطب حیاً لا یموت هادیا لا یضل قاصداً لا یجور حافظا لا ینسی نشیطا لا یمل حتی عرف وقت أزمنتها ومواضع منابتها مع اختلاطها واختلاف صفاتها وتباین ألوانها وتفرق أسمائها ثم وضع مثالها علی شبهها وصفتها، ثم وصف كل شجرة بنباتها وورقها وثمرها وریحها وطعمها أم هل كان لهذا الحكیم بد من أن یتتبع جمیع أشجار الدنیا وبقولها وعروقها شجرة شجرة وورقة ورقة شیئاً فشیئا؟ وهبه وقع علی الشجرة التی أراد، فكیف دلته حواسه علی أنها تصلح للدواء والشجر مختلف فمنه الحلو والحامض والمر والمالح فان قلت یستوصف فی هذه البلدان ویعمل بالسؤال، وأنی له أن یسأل عما لم یعاین ولم یدركه بحواسه أم كیف یهتدی إلی من یسأله عن تلك الشجرة وهو یكلمه بغیر لسانه وبغیر لغته والأشیاء كثیرة.

وهبه فعل، فكیف عرف منافعها ومضارها وتسكینها وتهییجها وباردها وحارها ومرارتها وحراقتها ولینها وشدیدها. فلئن قلت بالظن فان ذلك لا یدرك ولا یعرف بالطبایع والحواس، وإن قلت بالتجربة والشرب فلقد كان ینبغی له أن یموت فی أول ما شرب وجرب تلك الأدویة بجهالته بها وقلة معرفته بمنافعها ومضارها وأكثرها السم القاتل. وان قلت بل طاف فی كل بلد وأقام فی كل أمة یتعلم لغاتهم ویجرب أدویتهم بقتل الأول فالاول منهم ما كان لیبلغ معرفته الدواء الواحد إلا بعد قتل قوم كثیر، فما كان أهل تلك البلدان الذین قتل منهم



[ صفحه 42]



ماقتل بتجربته بالذین یتفادون الیه بالقتل ولایدعونه یجاورهم. وهبه تتبع هذا كله وأكثره سم قاتل أن زید علی قدره قتل وان نقص عن قدرة بطل، وهبه تتبع هذا كله وطاف مشارق الارض ومغاربها وطال عمره فیها بتتبعه شجرة شجرة وبقعة بقعة كیف كان له تتبع مالم یدخل فی ذلك من مرارة الطیر والسباع ودواب البحر هل كان بد حیث زعمت أن ذلك الحكیم تتبع عقاقیر الدنیا شجرة شجرة حتی جمعها كلها فمنها مالا یصلح ولا یكون دواء إلا بالمرار هل كان بد من أن یتتبع جمیع طیر الدنیا وسباعها ودوابها دابة دابة وطائراً طائراً یقتلها ویجرب مرارها كما بحث فی تلك العقاقیر علی مازعمت بالتجارب، ولو كان ذلك فكیف بقیت الدواب وتناسلت ولیست بمنزلة الشجرة إذا قطعت شجرة نبتت أخری وهبه أتی علی طیر الدنیا كیف یصنع بما فی البحر من الدواب التی كان ینبغی أن یتتبعها بحراً بحراً ودابة دابة حتی أحاط به كما أحاط بجمیع عقاقیر الدنیا التی بحث عنها حتی عرفها، فانك مهما جهلت شیئاً من هذا لاتجهل أن دواب البحر كلها تحت الماء فهل یدلك العقل والحواس علی أن هذا یدرك بالبحث والتجارب قال: لقد ضیعت علیّ المذاهب فما أدری بماذا أجیبك.

فقلت سأبرهن لك بغیر هذا مما هو أوضح وأبین مما اقتصصت علیك ألست تعلم أن هذه العقاقیر التی منها الأدویة والمرار من الطیر والسباع لا یكون دواء إلا بعد الاجتماع؟ قال هو كذلك. قلت: فاخبرنی كیف أدركت حواس هذا الحكیم الذی وضع هذه الأدویة مثاقیلها وقراریطها فانك أعلم الناس بذلك لأن صناعتك الطب، وأنت قد تدخل فی الدواء الواحد من اللون الواحد وزن أربعمائة مثقال ومن الآخر ثلاثة أو أربعة مثاقیل وقراریط فما فوق ذلك أو دونه حتی یجیء بقدر واحد معلوم إذا سقیت منه صاحب البطنة بمقدار عقد بطنه، وإن سقیت صاحب القولنج أكثر من ذلك استطلق بطنه، والآن فكیف أدركت حواسه علی هذا، أم كیف عرف بحواسه ان الذی یسقی لوجع الرأس لا ینحدر إلی الرجلین والانحدار أهون علیه من الصعود والذی یسقی لوجع



[ صفحه 43]



القدمین لا یصعد إلی الرأس وهو أقرب منه، وكذلك كل دواء یسقی صاحبه لكل عضو لا یأخذ إلا طریقه فی العروق التی تسمی له وكل ذلك یصیر الی المعدة ومنها یتفرق، أم كیف لایسفل منه ما صعد ولا یصعد منه ما انحدر؟ أم كیف عرفت الحواس هذا حتی علم أن الذی ینبغی للاذن لا ینفع العین وما تنفع به العین لا یغنی من وجع الاذن وكذلك جمیع الأعظاء یصیر كل دواء منها إلی ذلك العضو الذی ینبغی له بعینه، فكیف أدركت العقول والحواس هذا، وهو غائب فی الجوف والعروق واللحم وفوق الجلد لایدرك بسمع ولا ببصر ولا بشم ولابلمس ولا بذوق؟ قال: لقد جئت بما أعرف إلا أننا نقول ان الحكیم الذی وضع هذه الأدویة وأخلاطها كان إذا سقی أحداً شیئاً من هذه الأدویة فمات شق بطنه وتتبع عروقه ونظر مجاری تلك الادویة وأتی المواضع التی تلك الأدویة فیها. قلت: فاخبرنی ألست تعلم أن الدواء كله إذا وقع فی العروق اختلط بالدم فصار شیئاً واحداً قال: بلی. قلت: أما تعلم أن الانسان إذا خرجت نفسه برد دمه وجمد؟ قال بلی، قلت: فكیف عرف ذلك الحكیم دواؤه الذی سقاه المریض بعد أن صار عبیطاً لیس بأمشاج یستدل علیه بلون فیه غیر لون الدم؟ قال: لقد حملتنی علی مطیة صعبة ما حملت علی مثلها قط ولقد جئت باشیاء لا أقدر علی ردها. إلی آخر الحدیث الطویل.

فیمضی الإمام «ع» فی إستدلاله علی إثبات الوحدانیة والربوبیة من طرق أخری مفصلة یستدرجها من حدیث الاهلیلجة التی هی بین یدی الطبیب الهندی ونحن لا حاجة لنا بها فی موضوعنا هذا والحدیث كله منتشر فی كتب الأخبار.

ولقد ظهر لنا ولكل ذی إدراك وإنصاف غیر مكابر مما تقدم بعض ما لدی الامام علیه السلام من الاطلاع الواسع والمعرفة الكاملة بخواص الادویة ومنافعها ومضارها بل وكل خاصة فیها مفردة ومركبة مع معرفة منابتها وطباعها دون أن یسند ذلك إلی معلم أو طبیب أخذه منهما بل لم یعرفه كل طبیب أو عقاری فی عصره



[ صفحه 44]



أولیس ذلك علماً إلهامیاً أو وراثیاً عن سلفه الطاهرین والذین خصهم الله تعالی به دون سایر الخلق وجعلهم معدنه ومنبعه لانهم هم الراسخون فی العلم وهم حاملوا أعباء إرشاده وتعالیمه الحكیمة.